احد اشكال الفساد الذي ابتليت به مجتمعاتنا العربية ، ظاهرة اسمها الفساد المتسلسل، على شاكلة القاتل المتسلسل الذي يرى في قتل الاخرين وانتزاع ارواحهم وحرمانهم من حقوقهم في الوجود وفي الحياة هواية محببة يعشق تكرارها ثم يدمن عليها ثم تصبح هذه الهواية المدمرة جزءا من شخصيته ويومياته لا يسعد ولا ينتشي الا عبر الاستمرار فيها، وذلك اشباعا للجشع والطمع والانانية ولأغراض نفسية عديدة، الفاسد المتسلسل على شاكلة القاتل ما ان يشغل منصب ما حتى يشغل كل امكانياته وقدراته لحلب هذا المكان وعصره حتى آخر نقطة بحيث اذ قيض لأخرين ان يستلموا المكان بعده فلن يجدوا الا ارضا يبابا وخرابا مقيما ونهبا متشعبا ومتجذرا وميزانية خاوية ومستقبلا مظلما، تتعرف الشرطة على الفاسد المتسلسل والقاتل المتسلسل عبر اكتشاف نمط معتاد وممارسات نمطية متشابهة ،وفي الغالب تنطوي شخصية القاتل المتسلسل على طفولة معقدة او شخصية مهمشة او مستلبة ترغب في الانتقام من جروح الماضي وانعكاساته ، يقيم الفاسد كل تجارته في العتمة استنادا على الزيف وعلى الممارسات البعيدة عن النزاهة والحوكمة وتجاوز القانون والتلاعب ونوم الشركاء يوم استلام " خبيصة الفساد " وهكذا حين تنطلق صفارة الفساد ويحل يوم الحساب وكشف الدفاتر والأوراق لا يرى المرء الا خلاصات ونتائج لسلسلة طويلة ومتراصة الحلقات، وكل حلقة تقود وترتبط وتتشابك بالأخرى، واي تسريب لحلقة يقود الى ما يليها ، لذا يعيش الفاسد في حالة حراسة دائمة على كل حلقاته ، وخوف وقلق وتوجس على ممارساته الواضحة منها والمستترة المخفية والسرية على وجه الخصوص والتي لا ترد في سيرته ولا احاديثه، وتبدو مثل ابن الزنا الذي جاء الى الدنيا خارج العلاقات الشرعية ويجب اخفاءه عن الاعين، ذلك ان الفاسد المتسلسل لا يعيش وينشط الا في البيئات التي تغيب عنها الرقابة والشفافية ويهيمن الخوف وتغيب القوانين الرادعة، يبقى السؤال : على ماذا يراهن اي فاسد متسلسل ؟ والجواب: يراهن على فساد آخر ينجيه من العقوبة ليواصل مسلسل الفساد.